وترى النّاس سكارى، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم قالوا: يا رسول الله أينا ذلك الرجل فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعا وتسعين ومنكم واحد ثم قال: أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثّور الأبيض، أو كالشّعرة البيضاء في جنب الثّور الأسود، وفي رواية كالرّقمة في ذراع الحمار، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبرنا ثم قال: ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال شطر أهل الجنة فكبرنا» أما ما يتعلق بمعنى الحديث فقوله أن تخرج من ذريتك بعث النار فمعناه ميز أهل الجنة من أهل النار، وأما الرقمة بفتح الراء وإسكان القاف فهي الأثرة في باطن عضد الحمار.
وقوله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة وثلث أهل الجنة، وشطر أهل الجنة فيه البشارة العظيمة لهذه الأمة وجعلهم ربع أهل الجنة أولا ثم الثلث ثم الشّطر لفائدة حسنة، وهي أن ذلك أوقع في نفوسهم، وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء الإنسان مرة بعد مرة دليل على الاعتناء به، ودوام ملاحظته وفيه تكرير البشارة مرة بعد أخرى، وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله وحمده على إنعامه عليهم، وهو تكبيرهم لهذه البشارة العظيمة، وسرورهم بها، وأما ما. يتعلق بمعنى الآية الكريمة، والحديث في قوله تعالى: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً وقوله صلّى الله عليه وسلّم «ويشيب الوليد» ففيه وجهان: الأول عند زلزلة السّاعة قبل خروجهم من الدّنيا، فعلى هذا هو على ظاهره الثاني أنه في القيامة، فعلى هذا يكون ذكر الشّيب مجازا، لأن القيامة ليس فيها شيب، وإنما هو مثل في شدة الأمر، وهوله يقال في اليوم الشّديد يوم تشيب فيه نواصي الأطفال، والأصل فيه أن الهموم والأحزان إذا تعاقب على الإنسان أسرع فيه الشيب. قال المتنبي:
والهم يخترم الجسيم نحافة | ويشيب ناصية الصبيّ ويهرم |
[سورة المزمل (٧٣): آية ٢٠]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ أي أقل من ثلثي الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ أي تقوم نصفه وثلثه وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ يعني المؤمنين، وكانوا يقومون معه الليل وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يعني أن العالم بمقادير الليل والنهار وأجزائهما وساعاتهما هو الله تعالى. لا يفوته علم ما يفعلون، فيعلم القدر الذي يقومون من اللّيل والذي ينامون منه. عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ يعني أن لن تطيقوا معرفته على الحقيقة. قيل قاموا حتى انتفخت أقدامهم، فنزل: علم أن لن تحصوه أي لن تطيقوه، قيل كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر الله به من القيام فقال تعالى: علم أن لن تحصوه أي لن تطيقوا معرفة ذلك فَتابَ عَلَيْكُمْ أي فعاد عليكم بالعفو