الْيَمِينِ فإنهم غير مرتهنين بذنوبهم في النار، ولكن الله يغفرها لهم، وقيل معناه فكوا رقاب أنفسهم بأعمالهم الحسنة كما يفك الراهن رهنه بأداء الحق الذي عليه.
واختلفوا في أصحاب اليمين من هم فقيل هم المؤمنون المخلصون، وقيل هم الذين يعطون كتبهم بإيمانهم، وقيل هم الذين كانوا على يمين آدم يوم أخذ الميثاق وحين قال الله تعالى لهم: «هؤلاء في الجنة ولا أبالي» وقيل هم الذين كانوا ميامين أي مباركين على أنفسهم، وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم أطفال المسلمين وهو أشبه بالصواب لأن الأطفال لم يكتسبوا إثما يرتهنون به وعن ابن عباس قال هم الملائكة فِي جَنَّاتٍ أي هم في بساتين يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ أي يتساءلون المجرمين وعن صلة فيقولون لهم.
[سورة المدثر (٧٤): الآيات ٤٢ الى ٥١]
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قيل وهذا يقوي قول من قال إن أصحاب اليمين هم الأطفال لأنهم لم يعرفوا الذنوب التي توجب النّار، وقيل معناه يسأل بعضهم بعضا عن المجرمين، فعلى هذا التفسير يكون معنى ما سلككم، أيّ يقول المسؤولون للسّائلين قلنا للمجرمين ما سلككم، أي أدخلكم وقيل ما حبسكم في سقر، وهذا سؤال توبيخ وتقريع قالُوا مجيبين لهم لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أي لله في الدّنيا وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ أي لم نتصدق عليه وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ أي في الباطل وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ أي بيوم الجزاء على الأعمال وهو يوم القيامة حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ يعني الموت قال الله تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ قال ابن مسعود: تشفع الملائكة والنّبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلا أربعة ثم تلا قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الآية، وقال عمران بن حصين: الشّفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون. روى البغوي بسنده عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يصف أهل النار فيعذبون قال فيمر بهم الرجل من أهل الجنة، فيقول للرجل منهم يا فلان فيقول ما تريد فيقول أما تذكر رجلا سقاك شربة يوم كذا وكذا قال فيقول وإنك لأنت هو فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه قال، ثم يمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول يا فلان فيقول ما تريد فيقول أما تذكر رجلا وهب لك وضوءا يوم كذا وكذا، فيقول وإنك لأنت هو فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه» فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ أيّ عن مواعظ القرآن كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ جمع حمار مُسْتَنْفِرَةٌ قرئ بالكسر أي نافرة وقرئ بالفتح أي منفرة مذعورة محمولة على النفار فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قيل القسورة جماعة الرّماة لا واحد له من لفظه، وهي رواية عن ابن عباس وعنه أنها القناص وعنه قال: هي حبال الصيادين، وقيل معناه فرت من رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند العرب قسورة وقسور وقيل القسورة لغط القوم وأصواتهم وقيل القسورة شدة سواد ظلمة اللّيل وقال أبو هريرة: هي الأسد وذلك لأن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت فكذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ القرآن هربوا منه شبههم بالحمر في البلادة والبله، وذلك أنه لا يرى مثل نفار حمر الوحش إذا خافت من شيء.
[سورة المدثر (٧٤): الآيات ٥٢ الى ٥٦]
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً قال المفسرون إن كفار قريش قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم