يخرج من الدماغ، فينصب في عرق في ظهر الرجل، وينزل في عروق كثيرة من مقدم بدن المرأة، وهي الترائب، فلهذا السبب خصّ الله تعالى، هذين العضوين بالذكر إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يعني إن الله تعالى قادر على أن يرد النطفة في الإحليل، وقيل قادر على رد الماء في الصلب الذي خرج منه، وقيل قادر على رد الإنسان ماء كما كان من قبل، وقيل معناه إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا، إلى النطفة وقيل إنّه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر، وقيل معناه إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء قادر على إعادته حيا بعد موته، وهو أهون عليه، وهذا القول هو الأصح، والأولى بمعنى الآية لقوله تعالى بعده يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ وذلك يوم القيامة. قيل معناه تظهر الخبايا. وقيل معنى تبلى تختبر، وقيل السرائر هي فرائض الأعمال كالصوم، والصلاة، والوضوء، والغسل من الجنابة، فكل هذه سرائر بين العبد وبين ربّه عزّ وجلّ وذلك لأن العبد قد يقول صليت ولم يصلّ، وصمت ولم يصم، واغتسلت ولم يغتسل، فإذا كان يوم القيامة يختبر حتى يظهر من أداها ومن ضيعها. قال عبد الله بن عمر: يبدي الله تعالى يوم القيامة كل سر، فيكون زينا في وجوه وشينا في وجوه، يعني من أدى الفرائض كما أمر كان وجهه مشرقا، مستنيرا يوم القيامة، ومن ضيعها أو انتقص منها كان وجهه أغبر.
[سورة الطارق (٨٦): الآيات ١٠ الى ١٧]
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
فَما لَهُ أي لهذا الإنسان المنكر البعث. مِنْ قُوَّةٍ أي يمتنع بها من عذاب الله وَلا ناصِرٍ أي ينصره من الله، ثم ذكر قسما آخر فقال تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ أي ذات المطر، سمي به لأنه يجيء ويرجع ويتكرر وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ أي تتصدع وتنبثق عن النبات، والشجر، والأنهار، وجواب القسم.
قوله تعالى: إِنَّهُ يعني القرآن لَقَوْلٌ فَصْلٌ أي إنه لحق وجد يفصل بين الحق والباطل. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ أي باللعب والباطل. إِنَّهُمْ يعني مشركي مكة، يَكِيدُونَ كَيْداً يعني يحتالون بالمكر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا فيه. وَأَكِيدُ كَيْداً يعني أجازيهم على كيدهم بأن استدرجهم من حيث لا يعلمون فأنتقم منهم في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالنار فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أي لا تستعجل ولا تدع بهلاكهم. قال ابن عباس: هذا وعيد لهم من الله عز وجل، ثم لمّا أمره بإمهالهم بيّن أن ذلك الإمهال قليل. فقال تعالى: أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً يعني قليلا، فأخذهم الله يوم بدر ونسخ الإمهال بآية السيف، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.