بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة» زاد مسلم «١» «وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السّعادة فيصير لعمل أهل السّعادة وأما من كان من أهل الشّقاوة، فيصير لعمل أهل الشّقاوة ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى المخصرة بكسر الميم كالسّوط والعصا، ونحو ذلك مما يمسكه الإنسان بيده، والنكت بالتاء المثناة فوق ضرب الأرض بذلك أو غيرها مما يؤثر فيه الضرب، وهذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وذلك أنه اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه، فأنزل الله تعالى وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى إلى قوله إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى يعني سعي أبي بكر وأمية بن خلف، وقيل كان لرجل من الأنصار نخلة وفرعها في دار رجل فقير وله عيال، فكان صاحب النخلة إذا طلع نخلته ليأخذ منها التمر فربما سقطت التمرة، فيأخذها صبيان ذلك الفقير، فينزل الرجل عن نخلته حتى يأخذ التمرة من أيديهم وإن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه في فيه حتى يخرجها فشكا ذلك الرّجل الفقير إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فلقي النّبي صلّى الله عليه وسلّم صاحب النّخلة فقال له: تعطيني نخلتك التي فرعها في دار فلان، ولك بها نخلة في الجنة فقال الرجل: إن لي نخلا، وما فيه أعجب إليّ منها ثم ذهب، فسمع بذلك أبو الدحداح رجل من الأنصار، فقال لصاحب النخلة هل لك أن تبيعها بحش يعني حائطا له فيه نخل، فقال هي لك فأتى أبو الدّحداح إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشتريها مني بنخلة في الجنة، فقال نعم فقال هي لك فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك الرجل الفقير جار الأنصاري صاحب النخلة قال خذها لك ولعيالك فأنزل الله هذه الآية، وهذا القول فيه ضعف لأن هذه السورة مكية، وهذه القصة كانت بالمدينة فإن كانت القصة صحيحة تكون هذه السورة قد نزلت بمكة، وظهر حكمها بالمدينة، والصحيح أنها نزلت في أبي بكر الصديق وأمية بن خلف لأن سياق الآيات يقتضي ذلك.
[سورة الليل (٩٢): الآيات ١١ الى ١٨]
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨)
قوله عز وجل: وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ أي الذي بخل به إِذا تَرَدَّى أي إذا مات، وقيل هوى في جهنم إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضّلالة وذلك أنه لما عرفهم ما للمحسن من اليسرى، وما للمسيء من العسرى أخبرهم أن بيده الإرشاد والهداية وعليه تبيين طريقها، وقيل معناه إن علينا للهدى والإضلال فاكتفى بذكر أحدهما، والمعنى أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي وأصرف أعدائي عن العمل بطاعتي، وقيل معناه من سلك سبيل الهدى فعلى الله سبيله. وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى أي لنا ما في الدّنيا والآخرة فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق فَأَنْذَرْتُكُمْ أي يا أهل مكة ناراً تَلَظَّى أي تتوقد وتتوهج لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى يعني الشّقي الَّذِي كَذَّبَ يعني الرّسل وَتَوَلَّى أي عن الإيمان وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى يعني التّقي الَّذِي يُؤْتِي أي يعطي مالَهُ يَتَزَكَّى أي يطلب عند الله أن يكون زاكيا لا يطلب بما ينفقه رياء ولا سمعة وهو أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين قال ابن الزبير: كان يبتاع الضعفاء فيعتقهم، فقال له أبوه أي بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك، قال منع ظهري أريد فأنزل الله وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى إلى آخر السّورة، وذكر محمد ابن إسحاق قال: كان بلال لبعض بني جمح وهو بلال بن رباح، واسم أمه حمامة، وكان صادق