قوله تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أي اذكر صبرهم فإبراهيم ألقي في النار فصبر وإسحاق أضجع للذبح في قول فصبر ويعقوب ابتلي بفقد ولده وذهاب بصره فصبر: أُولِي الْأَيْدِي قال ابن عباس أولي القوة في طاعة الله تعالى:
وَالْأَبْصارِ أي في المعرفة بالله تعالى، وقيل: المراد باليد أكثر الأعمال وبالبصر أقوى الإدراكات فعبر بهما عن العمل باليد وعن الإدراك بالبصر وللإنسان قوتان عالمية وعاملية وأشرف ما يصدر عن القوة العالمية معرفة الله تعالى وأشرف ما يصدر عن القوة العاملية طاعته وعبادته فعبر عن هاتين القوتين بالأيدي والأبصار إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ أي اصطفيناهم وجعلناهم لنا خالصين بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ قيل معناه أخلصناهم بذكرى الآخرة فليس لهم ذكرى غيرها، وقيل نزعنا من قلوبهم حبّ الدنيا وذكراها وأخلصناهم بحب الآخرة وذكراها وقيل كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله تعالى، وقيل أخلصوا بخوف الآخرة وهو الخوف الدائم في القلب وقيل أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ يعني من الذين اختارهم الله تعالى واتخذهم صفوة وصفاهم من الأدناس والأكدار وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ أي اذكرهم بفضلهم وصبرهم لتسلك طريقهم وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ قوله عز وجل: هذا ذِكْرٌ أي الذي يتلى عليكم ذكر وقيل شرف وقيل جميل تذكرون به وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ أي حسن مرجع ومنقلب يرجعون وينقلبون إليه في الآخرة ثم ذكر ذلك فقال تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ قيل تفتح أبوابها لهم بغير فتح لها بيد بل بالأمر يقال لها انفتحي انغلقي مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ أي مستويات الأسنان والشباب والحسن بنات ثلاث وثلاثين سنة وقيل متآخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ولا يتحاسدن.
[سورة ص (٣٨): الآيات ٥٣ الى ٦٠]
هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤) هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠)
هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ أي قيل للمؤمنين هذا ما توعدون، وقيل هذا ما يوعد به المتقون إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ أي دائم ما له من نفاد وانقطاع بل هو دائم كلما أخذ منه شيء عاد مثله في مكانه.
قوله تعالى: هذا أي الأمر الذي ذكرناه وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ يعني الكافرين لَشَرَّ مَآبٍ يعني لشر مرجع يرجعون إليه ثم بينه فقال تعالى: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها أي يدخلونها فَبِئْسَ الْمِهادُ أي الفراش هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ معناه هذا حميم وهو الماء الحار وغساق. قال ابن عباس: هو الزمهرير يحرقهم ببرده كما تحرقهم النار بحرها وقيل هو ما يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار ولحومهم وفروج الزناة وقيل الغساق عين في جهنم وقيل هو البارد المنتن والمعنى هذا حميم وغساق فليذوقوه وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أي مثل الحميم والغساق أَزْواجٌ أي أصناف أخر من العذاب هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ قال ابن عباس هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للقادة هذا فوج يعني جماعة الأتباع مقتحم معكم النار أي داخلوها كما دخلتموها أنتم قيل إنهم يضربون بالمقامع حتى يقتحموها بأنفسهم خوفا من تلك المقامع قالت القادة لا مَرْحَباً بِهِمْ أي الأتباع إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ أي داخلوها كما صليناها نحن قالُوا أي قال الأتباع للقادة بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أي لا رحبت بكم الأرض والعرب تقول مرحبا وأهلا وسهلا أي أتيت رحبا وسعة أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا يعني وتقول الأتباع للقادة أنتم بدأتم بالكفر قبلنا وشرعتموه لنا وقيل معناه أنتم قدمتم لنا هذا العذاب بدعائكم إيانا إلى الكفر فَبِئْسَ الْقَرارُ أي فبئس دار القرار جهنم.