ويقتله عيسى ابن مريم عليه السلام ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وخلافا للجبائي المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ولكن الأشياء التي يأتي بها زعموا أنها مخاريق وخيالات لا حقائق لها وزعموا أنها لو كانت حقا لضاهت معجزات الأنبياء وهذا غلط من جميعهم لأنه لم يدع النبوة فيكون
ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الربوبية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينه وعن إزالة الشاهة بكفره المكتوب بين عينيه ولهذه الدلائل لا يغتر به إلا عوام من الناس لشدة الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو خوفا من فتنته لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب ولهذا حذرت الأنبياء من فتنته فأما أهل التوفيق فلا يغترون به ولا يخدعون بما معه لما سبق من العلم بحاله ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه ما ازددت فيك إلا بصيرة قوله «قلت يا رسول الله إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله تعالى من ذلك» معناه هذا أهون على الله تعالى من أن يجعل ما خلقه الله عز وجل على يده مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوبهم بل إنما جعله الله له ليزداد الذين آمنوا إيمانا وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك لأنه ثبت في الحديث أن معه ماء ونارا فماؤه نار وناره ماء بارد والله تعالى أعلم.
[سورة غافر (٤٠): الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠)
قوله عز وجل: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أي الجاهل والعالم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ أي لا يستوون قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ إِنَّ السَّاعَةَ يعني القيامة لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها أي لا شك في قيامها ومجيئها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يصدقون بالبعث بعد الموت، قوله تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ أي اعبدوني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم فلما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على المنبر «الدعاء هو العبادة ثم قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من لم يسأل الله يغضب عليه» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب عن أنس بن مالك قال «الدعاء مخ العبادة» أخرجه الترمذي وعنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب فإن قلت كيف قال ادعوني أستجب لكم وقد يدعو الإنسان كثيرا فلا يستجاب له، قلت الدعاء له شروط منها الإخلاص في الدعاء وأن لا يدعو وقلبه لاه مشغول بغير الدعاء وأن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة للإنسان وأن لا يكون فيه قطيعة رحم فإذا كان الدعاء بهذه الشروط كان حقيقا بالإجابة فإما أن يعجلها له وإما أن يؤخرها له يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له به في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا يا رسول الله وكيف يستعجل قال يقول دعوت ربي فما استجاب لي» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وقيل الدعاء هو الذكر والسؤال إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي أي عن توحيدي وقيل دعائي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أي صاغرين ذليلين.