ومثاله: تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣]، قالت المعتزلة: إنَّ لن تفيد التأبيد، والمعنى: لن تراني أبداً، فيشمل نفيَ الرؤيةِ في الدنيا والآخرة.
قال أبو الفضلِ الطَّبرسيُّ الرافضيُّ المعتزليُّ (ت: ٥٤٨): «﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾: هذا جوابٌ من اللهِ، ومعناه: لا تراني أبداً؛ لأنَّ «لن» ينفي على وجه التَّأبيدِ، كما قال: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾ [البقرة: ٩٥]، وقال: ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج: ٧٣]» (١).
وتفسيرُ «لن» في هذا الموضعِ على أنَّه للتَّأبيدِ غيرُ
_________
(١) مجمع البيان في تفسير القرآن، للطبرسي (٩: ١٦).
وقال الزمخشريُّ في تفسير هذه الآيةِ «فإن قلتَ: ما معنى «لن»؟ قلتُ: تأكيدُ النفي الَّذي تعطيه «لا»، وذلك أنَّ «لا» تنفي المستقبلَ؛ تقول: لا أفعلُ غداً، فإذا أكَّدت نفيها قلت: لن أفعل غداً. والمعنى: أنَّ فِعلهُ ينافي حالي؛ كقوله: ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾، فقوله: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ نفيٌ للرؤيةِ فيما يُستقبَلُ، و ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ تأكيدٌ وبيانٌ؛ لأنَّ النفيَ منافٍ لصفاتِه». الكشاف (٢: ١١٣).


الصفحة التالية
Icon