﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ﴾ [ص: ٢٩].
والأصلُ أنَّ مرحلةَ التَّدبُّرِ تأتي بعدَ الفَهْمِ، إذ لا يُمكنُ أن يُطلبَ منك تدبُّرُ كلامٍ لا تعقِلُه، وهذا يعني أنَّه لا يوجدُ في القرآنِ ما لا يُفهَمُ معناهُ مطلقاً، وأنَّ التَّدبُّرَ يكونُ فيما يتعلَّقُ بالتَّفسيرِ؛ أي أنَّه يتعلَّقُ بالمعنى المعلومِ.
قال الطبري (ت: ٣١٠): «وفي حَثِّ الله عزّ وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات ـ بقوله جل ذكره لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ﴾ [ص: ٢٩]، وقوله: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٢٧ - ٢٨]، وما أشبه ذلك من آي القرآن، التي أمر الله عباده وحثَّهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه ـ ما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيه.
لأنه مُحَالٌ أن يُقال لمن لا يفهم ما يقال ولا يعقل تأويلَه: اعتبر بما لا فَهْمَ لك به ولا معرفةَ من القِيلِ والبيان والكلام إلا على معنى الأمر بأن يفهمه ويفقهه، ثم يتدبره ويعتبر به. فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره وهو بمعناه