فإن قلتَ: إنَّك قد أشرْتَ إلى مقامٍ عظيمٍ، فافتحْ لي بابَه واكشفْ لي حجابَه، وكيف تَدَبُّرُ القرآنِ وتَفَهُّمُهُ والإشرافُ على عجائبه وكنوزه؟! وهذه تفاسيرُ الأئمَّةِ بأيدينا، فهل في البيانِ غيرُ ما ذكروه؟.
قلتُ: سأضرب لك أمثالاً تَحْتَذِي عليها، وتجعلها إمَاماً لك في هذا المقصدِ.
قال اللهُ تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ *فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ *فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَاكُلُونَ *فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ *فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ *قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ [الذاريات: ٢٤ - ٣٠].
فعهدي بكَ إذا قرأتَ هذه الآية، وتطلَّعتَ إلى معناها، وتدبَّرتها، فإنَّما تَطْلُعُ منها على أنَّ الملائكةَ أتَوا إبراهيمَ في صورةِ الأضيافِ يأكلونَ ويشربون، وبشَّرُوه بغلامٍ عليمٍ، وإنَّما امرأتُه عجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة: أن اللهَ قال ذلك، ولم يتجاوزْ تَدَبُّرُكَ غير ذلك.
فاسمعِ الآنَ بعضَ ما في هذه الآيات من أنواعِ الأسرارِ، وكم قد تضمَّنت من الثَّنَاءِ على إبراهيم؟.