وإذا كان ذلك واضحاً لك، فكيف يكون اجتهاد المتأخرين والمعاصرين وأهل البدع الذين يحملون بعض الآي على بعضٍ ويفسِّرونها بها، كيف يدخل كلُّ هذا في المأثورِ عن الصحابة والتابعين؟!
ولا شكَّ أن حمل معنى آية على آية هو من اجتهاد المفسِّر، سواءً أكان المفسر من الصحابة، أم كان من التابعين، أم كان ممن جاء بعدهم، والاجتهاد عرضة للخطأ، ويوزن بميزانٍ علميٍّ معروفٍ، ولا يقبل إلاَّ إذا حَفَّتْ به شرائطُ القبولِ، كأيِّ اجتهادٍ علميٍّ آخر (١).
_________
(١) ليس الحديث هنا عن قبول التفسير بالقرآن وعدم قبوله؛ لكن ما يُنبَّه عليه هنا أنَّ بعض تفسير القرآن بالقرآن ما يمكن أن يدخل فيما أُجمع عليه؛ لأنه لا يكاد يختلف فيه اثنان، وهذا إنما قُبِلَ من هذه الجهة فحسب، لا لكونه تفسير قرآن بقرآنٍ فقط، ولا شكَّ أنَّ ما كان تفسيراً بالقرآن ـ إن صحَّ ـ فإنه أولى ما يُرجع إليه؛ كأن يكون تفسيراً وارداً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو يكون كمثل قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: ١ - ٣]، فمن ذا الذي يمكنه أن لا يفسِّر الطارقَ بأنه النجم الثاقب. وهذا النوع أعلى التفاسير وأبلغُها، لكن هناك كثيرٌ من تفسيرات للقرآن بآي من القرآن عليها ملاحظات، وفيها أخطاء، فلا يمكن أن يُحْكَمَ لها بالصحَّة لأنها تفسير قرآن بقرآن.


الصفحة التالية
Icon