وكذلك حديث عمر - رضي الله عنه - قال: (سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله _ ﷺ _ أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله _ ﷺ _ فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال رسول الله _ ﷺ - أرسله، اقرأ، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هكذا أنزلت)، ثم قال لي: (اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه) (١).
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله ﷺ قال: (أقرأني جبريل - عليه السلام - على حرف واحد فراجعته، فلم أزل أستزيده، ويزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف) (٢). فهذه الأحاديث تدل على أن القراءات التي قرأ بها النبي _ ﷺ _ هي قرآن، لأن القراءات هي امتداد للأحرف السبعة، لا كما يقول بعضهم: إنها تمثل حرفاً واحداً. والله أعلم بالصواب.
وقد انتهج علماء القراءات - منذ عصر الصحابة - أسلوباً علمياً دقيقاً، في انتقال قراءة القرآن من المعلّم إلى المتعلّم: فلم يكن الشيخ يأذن لتلميذه بالإقراء إلا بعد أن يسمع التلميذ من الشيخ أولاً، ثم يعرض على شيخه ما سمعه منه. وقد صنع رجال الحديث النبوي الشريف في تحمل السنة شيئاً قريباً من هذا، غير أنهم اكتفوا في تحمل الحديث بالسماع من لفظ الشيخ، ولا كذلك علماء القراءات (٣).

(١) رواه البخاري ٦ / ١٠٠، ومسلم ٢ / ٢٠٢، واللفظ لمسلم.
(٢) الحديث رواه البخاري في صحيحه٦ / ١٠٠، ومسلم في صحيحه٢ / ٢٠٢، وينظر: المغني في توجيه القراءات العشر ١ / ٥٠.
(٣) ينظر إتحاف فضلاء البشر / ٥.


الصفحة التالية
Icon