أما ابن الجزري فقال: (قلت: والحق في غير ما قاله الزمخشري، ونعوذ بالله من قراءة القرآن بالرأي والتشهي. وهل يحل لمسلم بما يجد في الكتابة من غير نقل؟ بل الصواب جواز مثل الفصل، وهو الفصل بين المصدر وفاعله المضاف إليه بالمفعول في الفصيح الشائع الذائع اختياره. ولا يختص ذلك بضرورة الشعر. ويكفي في ذلك دليلاً هذه القراءة الصحيحة المشهورة، التي بلغت التواتر. كيف وقارئها ابن عامر من كبار التابعين، الذين أخذوا عن الصحابة، كعثمان بن عفان وأبي الدرداء - رضي الله عنهما -، وهو مع ذلك عربي صريح، من صميم العرب. فكلامه حجة، وقوله دليل على أنه كان قبل أن يوجد اللحن ويتكلم به، فكيف وقد قرأ بما تلقى وتلقن وروى وسمع ورأى... ) (١).
وهذه الأدلة كافية لأن يعتقد الباحث أن هذه القراءة ليست قبيحة كما قال بعضهم، ولا ضعيفة، بل هي أجدر بالتقدير من القاعدة النحوية المستحدثة. وقد تحقق نقلها بالتواتر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهل القدسية للقراءة المتواترة؟ أم للقاعدة النحوية؟
فاللسان العربي اشتمل على كثير من الأساليب التي ورد فيها الفصل بين المتضايفين، بأشكال وأنواع شتى، في شعر الأعشى وعمرو بن كلثوم، وبجير بن زهير، ومعاوية بن أبي سفيان، وتأبط شراً، والفرزدق، وجرير، وأبي زيد الطائي، وأبي حية النميري، وذي الرمة. (٢).
وهذه القراءة قوية في النقل والمعنى.
أما النقل: فوردت شواهد كثيرة، منها قول الشاعر:
عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة... فسقناهم سوق البغاث الأجادل (٣)
(٢) ينظر: نظرية النحو القرآني / ٨٢.
(٣) وبعده: ومن يلغ أعقاب الأمور فإنه... جدير بهلك آجل أو معاجل
وهو من شواهد الأشموني، بشرحه على ألفية ابن مالك، رقم ٤٩٧....