وأما أبو حيّان فلا يكتفي بالرد على من ضعّف هذه القراءة، بل يرد عليهم عامة، وعلى ابن عطية خاصة فيقول: (وما ذهب إليه البصريون وتبعهم فيه الزمخشري وابن عطية، من امتناع العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، ومن اعتلالهم لذلك غير صحيح. بل الصحيح مذهب الكوفيين في ذلك، وأنه يجوز... (١). وأضاف أبو حيان: (وأما قول ابن عطية: ويرد عندي هذه القراءة... إلى آخر كلامه)، فجسارة قبيحة منه لا تليق بحاله، ولا بطهارة لسانه، إذ عمد إلى قراءة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرأ بها سلف الأمة، واتصلت بأكابر قراء الصحابة، الذين تلقوا القرآن من رسول الله ﷺ بغير واسطة، عثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأقرأ الصحابة أبي بن كعب رضي الله عنهم، عمد إلى ردها هو بشيء خطر له في ذهنه؛ وهذه الجسارة لا تليق إلا بالمعتزلة كالزمخشري، فإنه كثيراً ما يطعن في نقل القراء وقراءتهم. وحمزة رضي الله عنه أخذ القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش، وحمران بن أعين، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد الصادق. ولم يقرأ حمزة حرفاً من كتاب الله إلا بأثر، وكان حمزة صالحاً وربما ثقة في الحديث... ) (٢). وبعد هذا البيان لابد لي من كلمة أقولها:
تمسك معظم النحويين بالقاعدة المعروفة لدى البصريين، التي لا تجيز عطف الاسم الظاهر على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض. ولو أنعمنا النظر في القرآن الكريم لرأينا شواهد كثيرة، ورد فيها عطف الاسم الظاهر على الضمير المخفوض دون إعادة الخافض. ولا أدري لم أهملها النحاة! مع أنهم احتجوا بأبيات شعر سمعت عن بعض العرب، وبنصوص من كلام العرب الفصحاء، وكتاب الله قمة الفصاحة والبيان. فمن الشواهد التي وردت في القرآن الكريم:

(١) البحر المحيط ٢ / ١٤٤ وما بعدها.
(٢) المصدر السابق ٣ / ١٥٦.


الصفحة التالية
Icon