وحينما استحر القتل بالقراء في حروب الردة، أي: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. طلب عمر بن الخطاب (ت ٢٣هـ) من أبي بكر (ت ١٣هـ) - رضي الله عنهما - أن يجمع القرآن الكريم، فقال: (إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن...) (١). فلم يزل عمر يراجع أبا بكر حتى شرح الله صدره لذلك. فأمر زيد بن ثابت (ت ٤٥ هـ) مع بعض الصحابة، وهم أبيّ بن كعب (ت ٢٢ هـ)، وعبد الله بن مسعود (ت ٣٢ هـ)، وعثمان بن عفان (ت ٣٥ هـ)، وعلي بن أبي طالب (ت ٤٠ هـ)، وطلحة بن عبيد الله (ت ٣٦ هـ)، وحذيفة ابن اليمان (ت ٣٦ هـ)، وأبو الدرداء (ت ٣٣ هـ)، وأبو هريرة (ت ٥٧ هـ)، وأبو موسى الأشعري (ت ٤٢ هـ) رضي الله عنهم، أمرهم أن يتتبعوا القرآن ويجمعوه. (٢).
وقد اعتمدت الأمة في نقل القرآن على الحفاظ، ولذلك أرسل عثمان - رضي الله عنه - إلى الأمصار كل مصحف مع من يوافق قراءته، في الأكثر. وبعد ذلك قرأ كل مصر بما في مصحفهم، وتلقوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقوه عن النبي - صلى اله عليه وسلم - ثم تجرد لأخذ القراءات عن هؤلاء قوم أسهروا ليلهم في ضبطها، وأتعبوا نهارهم في نقلها، حتى صاروا في ذلك أئمة للاقتداء، وأنجماً للاهتداء، فأجمع أهل بلدهم على قبول قراءتهم. ولم يختلف عليهم اثنان في صحة روايتهم ودرايتهم، وذلك لتصديهم للقراءة التي نسبت إليهم، وكان المعول فيها عليهم. (٣)

(١) صحيح البخاري، رقم الحديث ٤٧٠١، ٤ / ١٩٠٧، وينظر: السبعة في القراءات /٦
(٢) تتمة الحيث ٤٧٠١، والسبعة / ٦
(٣) ينظر: مناهل العرفان / ٤١٢


الصفحة التالية
Icon