فجعل يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكم، فأنزل الله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾)).
هذا أبو طلحة الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- وما كان من أمره وأمر أهل بيته -رضوان الله عليهم جميعًا.
ويروي الإمام البخاري في باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاج أو عليه دين، فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو ردٌّ عليه ليس له أن يتلف أموال الناس، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من أخذ أموال يريد إتلافها؛ أتلفه الله، إلا أن يكون معروف بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة)) كفعل أبي بكر -رضي الله عنه- حين تصدَّق بماله، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال، فليس له أن يضيّع أموال الناس بعلة الصدقة.
وقال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: ((قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت: فإني أُمسك سهمي الذي بخيبر))، ففي هذا الذي ذكره الإمام البخاري ما يُبيّن ما كان من أمر أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- وأنه آثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والإسلام، ودعوة الإسلام بماله، فتصدق به كله صدقة لله -فرضي الله عنه وأرضاه-، كما أن الأنصار أيضًا آثروا المهاجرين كما سنرى في أحاديث تالية بإذن الله.
كذلك أيضًا في هذا السياق يروي الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: ((اجتمع أناس من الأنصار فقالوا: آثر علينا غيرنا -أي: آثر علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غيرنا- فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فجمعهم ثم خطبهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله؟ قالوا: صدق الله ورسوله، قال: ألم