يذكر أيضًا لنا الإمام الغزالي -عليه رحمة الله- في الباب الثاني في حقوق الأخوة والصحبة كلامًا رائعًا فيقول: اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين، وكما يقتضي النكاح حقوقًا يجب الوفاء قيامًا بحق النكاح، فكذا عقد الأخوة فلأخيك عليك حق في المال والنفس وفي اللسان والقلب بالعفو والدعاء وبالإخلاص والوفاء وبالتخفيف وترك التكلف والتكليف، وذلك يجمعه ثمانية حقوق، فيذكر الإمام الغزالي هذه الحقوق، اخترت لكم منها الحق الأول والثاني وهو الحق في المال والحق في النفس، واخترت لكم مما ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة يقول -عليه رحمة الله- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل الأخوين مثل اليدين تُغسّل إحداهما الأخرى)) ويقول: إنما شبههما باليدين لا باليد والرجل؛ لأنهما يتعاونان على غرض واحد، فكذا الإخوان إنما تتم أخوتهما إذا ترافق في مقصد واحد، فهو من وجه كالشخص الواحد، وهذا يقتضي المساهمة في السّرّاء والضراء والمشاركة في المآل والحال وارتفاع الاختصاص والاستئثار، ثم يقول: والمواساة بالمال مع الإخوة على ثلاث مراتب:
أدناها: أن تُنزله منزلة عبدك أو خادمك فتقوم بحاجته من فضلة مالك، فإذا سنحت لك حاجة وكانت عندك فضلة عن حاجتك أعطيته ابتداء ولم تحوجه إلى السؤال، فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حق الأخوة.
الثانية: أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك، ونُزلوه منزلتك حتى تسمح بمشاطرته في المال. قال الحسن: كان أحدهم يشقّ إزاره بينه وبين أخيه.
العليا: أن تؤثره على نفسك وتُقدم حاجته على حاجتك، وهذه رتبة الصديقين، ومنتهى درجات المتحابّين، ومن ثمار هذه الرتبة الإيثار بالنفس أيضًا،


الصفحة التالية
Icon