فهذا الإيثار لا بد من أن ينبع من هذا المعين، وإلا فما الذي يدعو إنسانًا ليؤثر الآخرين على نفسه، إلا أن يكون هذا من منطلق الإيمان، وإن لم يكن هناك هذا الأساس، فلا فائدة على الإطلاق، ولا يمكن للإنسان من طُلَّاب الدنيا أن يكون من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
انظر في هذا الإيثار إلى ما كان من أمر الأنصار مع المهاجرين، وأنت تقرأ ما رواه الإمام البخاري عن أنس -رضي الله عنه- إذ قال: ((دعا النبي -صلي الله عليه وسلم- الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال -صلوات الله وسلامه عليه-: أما لا فاصبروا حتى تلقوني -أي: على الحوض- فإنه سيصيبكم بعدي أثرًا)) إذ لم يكن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يكفي المهاجرين والأنصار، فدعاهم إلى الصبر وبيَّن لهم أنهم سوف لا يحصلون على الدنيا إلا على القليل، وسوف يتأثر بهذه الدنيا غيرهم، ولا بد لهم أن يصبروا حتى يلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الحوض، وهناك في الآخرة يكون لهم الحظ الأوفر والنصيب الأعظم.
فهذه إذًا هي معالم الإيثار في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والدوافع التي تدفع إنسان ليكون من هؤلاء الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، والأمر يحتاج إلى تربية إيمانية لأمتنا حتى تستقيم على طريق هذا الإيثار؛ لأن بهذا الإيثار السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. نسأل الله -عز وجل- أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وطاعته وحسن عبادته.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الصفحة التالية
Icon