ويقول العقاد في (الفلسفة القرآنية): ليست العلاقة بين الرجل والمرأة صفقة تجارية بين شريكين في المعيشة، ولا ضرورة لإسكات صيحات الجسد والاستراحة من غوايته الشيطانية، ولا تسويغ الشهوة بمسوغ الشريعة، ولا هي علاقة عدمها خير من وجودها إذا تأتَّى للرجل أو للمرأة أن يستغني عنها.
أقول: ولكنها قبل هذا وبعده علاقة إنسانية جديرة بالاحترام والتقديس، فهي علاقة بين الزوج والزوجة، وبين الزوجين والأبناء، وبين هؤلاء جميعًا والأبوين، إلا أنها مع هذه العلاقات المتعدَّدة التي تُشكّل حجر الأساس في البناء الاجتماعي، وتشمل الزوجين والأبناء والآباء تبدأ في حقيقتها باجتماع رجل وامرأة في حياة واحدة ذات هدف مشترك، هو إسراء الحياة بمزيد من الحبّ والنسل الصالح.
وهذا هو الأساس الذي وضعه الإسلام لنظام الأسرة في القرآن، والذي يتلخص في أن الزواج علاقة من نوع خاص، علاقة باقية وصحبة دائمة ممتدَّة عبر أيام الحياة وبعد الممات في دار الخلود، ولذلك سمى الزوجة صاحبة فقال: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ (المعارج: ١١ - ١٤)، وقال: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ (عبس: ٣٣ - ٣٧).
وقال في إثبات وحدانيته، وأنه ليس له ولد؛ لأنه ليست له زوجة، ومحال أن يكون له زوجة وقد وصفها -جل وعلا- بأنها صاحبة فقال: ﴿بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام: ١٠١). فأنت ترى لم يسمِّ أبًا ولا أخًا ولا ابنًا ولا أحدًا بأنه صاحب، إنما سمى الزوجة صاحبة.