ثم قال: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ (المائدة: ٧٩) ومعنى ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ﴾ أي: لا ينهي بعضهم بعضًا عن المنكر الذي يشيع بينهم، وهذا يعني أنّ أي إنسان لا يسلم من النقص، ولا يخلو من الوقوع في خطأ، فكل بني آدم خطّاء، وخير الخطاءين التوابون، وإذا كان المجتمع نابضًا بوحي الله، مشرقًا بنور ما أنزل الله، لم يقبل أن يرى أحد أفراده غارقًا في بحار المعاصي، ملوثًا بالخطيئة، فينبري كل واحد يأخذ بيد أخيه يدله على الطريق الصحيح، فإن لم يحدث هذا، واستمرأ الناس المعاصي، وسكت الآخرون فلم ينكروا المنكر، وإنما كما سنرى في الحديث ((آكلوهم وشاربوهم)) وكأنّ هؤلاء العصاة لم يرتكبوا منكرًا يستحق الإنكار، إن حدث هذا غرق الجميع وضاع الجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي سورة "الأعراف" نرى ذلك في بيان صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأن أهل الكتاب يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، كما قال ربنا: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ (الأعراف: ١٥٧).
وفي أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يأخذ العفو، ويأمر بالعرف -أي المعروف، وأن يعرض عن الجاهلين، قال تعالى: ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف: ١٩٩).
وفي سورة "التوبة" في ذكر صفات المنافين والمنافقات، وأنهم كما قال تعالى: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ (التوبة: ٦٧).