يقول الإمام الشوكاني: "فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل. ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل؛ لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجة، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله، والاكتفاء بالتهديد أفضل؛ لأنه من أخلاق الكرماء، وفي ذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- منفرًا من الضرب: ((يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه)) ".
فانظروا إلى هذا التوجيه النبوي الكريم، ومع هذا فإن الضرب الذي أباحه القرآن لا يتنافي مع المودة والرحمة؛ لأنه كما يقول صاحب (حقائق الإسلام): "لم ينفهما فيما هو أمس الأمور بالمودة والرحمة، وهو تربية البنين وتربية المتعلمين، وتخويل رب الأسرة حق التأديب بدلًا من أحوال كثيرة كلها غير صالح، وكلها غير معقول في شئون القوامة البيتية".
فإما أن يكون لرب الأسرة هذا الحق في معظم الشئون البيتية، وإما أن يستغنى عن التأديب في الأسرة، أو يوكل التأديب فيها إلى دور الشرطة والقضاء، في كل كبيرة وصغيرة تعرض للزوجين على الرضا والغضب والجهر والنجوى، هذا أو يكون التأديب المسموح به أن ينصرم حبل الزواج، وأن ينهدم بناء البيوت على من فيها من الآباء والأمهات والبنين.
فإذا اشتد النزاع واتسعت هوة الخلاف، ولم ينفع وعظ ولا هجر ولا ضرب، وفشلت كل الأساليب وقاربت الأسرة الهوة الخطرة، ووهَى وضعف حبل المودة أصبح من واجب المجتمع أن يتدخل؛ لِيَحُولَ بين سقوط هذا الحجر من بنائه الاجتماعي، ويتحمل هذا الواجب الحاكم الذي اختارته الأُمة، وعليه أن ينتدب لذلك حكمًا من أهل الزوج وحكمًا من أهلها، في محاولة لإصلاح ما فسد،


الصفحة التالية
Icon