ومع هذه الحقيقة التي تجعل الرجل يقوم على حل عقدة الزواج، وهو واع لكل ما يترتب على ذلك من نتائج، قدر القرآن ما لعامل الزمن من أثر في تهدأة النفوس، وما لرؤية كل من الزوجين لصاحبه من دوافع المراجعة والاعتذار، لذلك جعل مدة قضاء العدة -وهي غالبًا ثلاثة أشهر- في منزل الزوجية لا خارجها. قال: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ (الطلاق: ١).
فإذا ما انتهت العدة ومرت هذه الأشهر، ولم يراجع الزوج زوجته، دل هذا على العداء مستحكم بينهما، ولا حيلة في الرجوع، وإلا كان الإمساك مضارة وعدوانًا، ولهذا نبه القرآن على ما في هذا الإمساك من ظلم الزوج لنفسه ولزوجته، وما فيه من اعتداء على حدود الله وشريعته، فقال: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: ٢٣١).
فإذا ما تم الطلاق عن اقتناع كامل بوجوب انتهاء الحياة الزوجية بقي الود والمعروف والإحسان، روابط تحيط بالمجتمع المسلم، ولزم الزوج دفع ما عليه من مؤخر الصداق، كما يدفع تعويضًا ماليًّا سماه القرآن بالمتعة، فقال: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة: ٢٣٦).
ولزم الزوج الإنفاق على الزوجة في أثناء الحمل، وعليه أن يدفع أجر إرضاع أبنائه إذا كان له أبناء في سن الرضاع، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ (الطلاق: ٦).