وقريب من هذا المعنى ما جاء في قصة موسى -عليه السلام- وفتاه وهما يبحثان عن الخضر، وقد أعطى الله موسى علامة يعرف بها مكان الخضر، وهذه العلامة تتمثل في حوت يحمله معه هو وفتاه في مِكْتل، وفي المكان الذي يفقدان فيه الحوت يكون الخضر فيه.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ (الكهف: ٦٠ - ٦٤).
أي: يتتبعان أثر سيرهما، حتى يصلا إلى المكان الذي كانا نائمين فيه، فلما وصلا إلى هذا المكان وجدا الخضر، وكان من أمر موسى معه ما ذكره الله في كتابه، فقوله: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ قوله: ﴿قَصَصًا﴾ ليس المراد به القصة التي هي موضوع حديثنا، كما وردت كلمة القصاص في أربعة مواضع من القرآن، منها ثلاثة في البقرة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ (البقرة: ١٧٨)، ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ (البقرة: ١٧٩)، ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاص﴾ (البقرة: ١٩٤) وموضع في المائدة في قوله: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ (المائدة: ٤٥).
والقصاص كما هو واضح ليس هو القصة، وإن اشترك هو والذي قبله في أصل استعمال الكلمة، وهو تتبع الأثر للوصول إلى الغاية، بقيت لنا إذن أربع وعشرون آية، هي موضوع دراستنا في القصة في القرآن، فماذا في هذه الآيات من المعاني وماذا فيها من الدروس؟:
هذا درس من قصة يوسف -عليه السلام- يقول الله فيه لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في مطلع السورة: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (يوسف: ٣).


الصفحة التالية
Icon