ويذكر القرآن أن موسى -عليه السلام- دخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته وهذا من عدوه، وأن الذي من شيعته قد استغاثه على الذي من عدوه، فوكز موسى هذا العدو فصادفت أجله فمات، فندم موسى على ما كان من الأمر وقال: هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، واتجه إلى الله قائلًا: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم، فأقسم بما أنعم الله عليه ألا يكون بعد ذلك ظهيرًا للمجرمين.
وانتشر الخبر في المدينة ووصل إلى الفرعون، وأجمع القوم على قتل موسى، ولكن رجلًا صديقًا محبًا لموسى جاء إليه يسعى يقول له: يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خفية خائفًا يترقب، يسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجيه من القوم الظالمين، وتوجه جهة مدين سائلًا الله أن يرشده إلى الطريق السديد: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص: ٢٣ - ٢٥).
وصلنا إذًا إلى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ (القصص: ٢٥) وكأنكم ترون معي وتنظرون بعيون قلوبكم إلى موسى -عليه السلام- وقد جاء إلى نبي الله شعيب وجلس معه مطمئنًا إليه، يذكر له ما كان من أمر فرعون مع بني إسرائيل من بداية عهدهم معه، إلى أن كان ما كان من أمر قَتْل ذكورهم واستحياء نسائهم، وما كان من أمر وصوله إلى قصر الفرعون وأنه تربى في هذا القصر، ثم كان من أمره أن قتل أحد هؤلاء الذين هم


الصفحة التالية
Icon