فهذه أنباء القرى يقصها الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد ذكر له في سورة "هود" مجموعة من قصص القرآن العظيم، ذكر له قصة نوح وقصة هود وقصة صالح وقصة إبراهيم وقصة لوط وقصة شعيب، وقصة موسى مع فرعون، ذكر له ذلك كله، وبين ما فيها من الدروس ومن العبر، ثم ختم هذا بقوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾.
فهذا هو ما قصه الله -سبحانه وتعالى، يبين أنه -جل وعلا- إذا أخذ القرى فإن أخذه كما يقول -جل وعلا- أليم شديد: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ (هود: ١٠٣)، وتتواصل الآيات تذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يجب عليه من الصبر والثبات في موقف الإنكار والتكذيب، كما قال ربنا: ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (هود: ١١٥) وتذكر له مرة أخرى أن الهداية بيد الله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (هود: ١١٨، ١١٩).
ثم تقول له بأن ما يقصه عليه من أنباء الرسل إنما يسوق ذلك؛ تثبيتًا لفؤاده، وليعلم أنه منصور لا محالة، وأن ما معه هو الحق بعينه، وأن ما جاء به إنما هو ذكرى لمن عنده استعداد للإيمان: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (هود: ١٢٠).
وتتوعد المكذبين المعاندين وهي تقول: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (هود: ١٢١ - ١٢٣) فما أعظم هذا القصص الذي جاء به كتاب الله!!.