الذين لبثوا فيه ما لبثوا، فلطول بقائهم فيه سماهم الله أصحابًا للكهف، وهم كذلك أصحاب الرقيم، هذا اللوح المكتوب به أسماؤهم علامة على مكان وجودهم، وما كان من أمرهم، هل تظن وتتوهم وتحسب أن قصتهم، وما حدث من بقائهم في كهفهم مئات السنين، ثم ما كان من بعثهم، وما كان من موتهم بعد ذلك فكانوا آية عظيمة من آيات الله، تدل على قدرته على إحياء المخلوقات بعد موتها.
لكن هذه الآية الباهرة هل تظن أنها أعجب الآيات وأعظمها؟ لا، هناك آيات كثيرة أعجب من ذلك، فانظر إلى ما حولك من السموات والأرض وما فيهما ومن فيهما، وقل لي بربك من خلقهما وخلق ما فيهما، وسخر الشمس والقمر والنجوم والكواكب؟ وما إلى ذلك مما تراه في صفحة هذا الوجود، أليست هذه آيات عظيمة أعجب مما حدث لأصحاب الكهف؟ وقال العوفي عن ابن عباس: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ (الكهف: ٩) يقول: "الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم".
وقال محمد بن إسحاق: "ما أظهرت من حججي على العباد أعجب من شأن أصحاب الكهف والرقيم".
لكن البداية بهذا الاستفهام التقريري، تبين أن أمر أصحاب الكهف والرقيم آية من آيات الله، تدعو إلى الدهشة والعجب، وتثير في النفس ألوانًا من التساؤلات، حول كل موقف من مواقف هذه القصة، تساؤلات لا من باب الإنكار، وإنما من باب الإعظام والإكبار والإجلال لهؤلاء الفتية، وما أقدموا عليه وما حدث لهم، ثم يأتي الحديث عنهم في قوله: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ (الكهف: ١٠) فكأنه لما ذكر أنهم آية عجيبة