وفي مقابلة قوله: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ (النجم: ٢٨) وأن العاقل لا ينطق ولا يعتقد إلا فيما قام عليه الدليل يأتي قوله في القصة: ﴿هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ (الكهف: ١٥) ويأتي قوله فيمن يخوضون في عددهم: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ (الكهف: ٢٢).
وفي تفويض ما ليس للإنسان به علم إلى الله العليم الخبير، وهذا ما قاله الفتية حين استيقظوا من نومهم وتساءلوا كم لبثتم؟ ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ (الكهف: ١٩) ففوضوا علم ذلك إلى الله، وما قاله أيضًا مَن تذاكروا أمر الفتية، واختلفوا في أسمائهم وأحوالهم، وكم لبثوا في كهفهم فقالوا: ربهم أعلم بهم، ويمكن أن يكون هذا ردًا من الله على هؤلاء المتنازعين في أمرهم، وأن البحث في ذلك لا فائدة فيه، فليفوضوا علم هذا إلى الله وحده.
وفي آيات القصة النهي عن المراء والجدال فيما لا طائل تحته: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ (الكهف: ٢٢) كما تقرأ تأكيدًا لقيمة إقامة فهم الإنسان ووقوفه على أرض الحقيقة، قبل أن يقول قولًا أو يعتقد اعتقادًا، تقرأ قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ (الكهف: ٢٦).
أرأيتم كيف جاءت آيات قصة أصحاب الكهف، تؤكد جملة من الحقائق وردت بها الآيات الأولى في السورة، فكانت مدخلًا للقصة تدل على براعة الاستهلال في القرآن


الصفحة التالية
Icon