كما أنّ الظروف الاجتماعية لها أثرها في ذلك، فالمجتمع المتكافل في ضبط خطى أبنائه على طريق الثبات، وفي محاربة كل مظاهر الفساد، يساعد أفراده على القيام بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حين ينبري أحد الناس آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، فيجب بجانبه مجتمعًا يؤازره، وحكومة تحميه بقوانينها وسلطانها، فلا يخشى ظلم الظالمين وجهل الجاهلين، ولعل مما يصوّر هذا، أنّ الآيات التي جاءت تدعو إلى ذلك، جاءت تتحدث عن أمة وعن جماعة، فأتى الفعل فيها مستندًا إلى ضمير الجمع: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، أو جمعًا كما في قوله: ﴿الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ ولم يرد الفعل مسندًا إلى المفرد إلّا فيما كان خطابًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ أو جاء ذلك إخبارًا عنه، كما في قوله: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (الأعراف: ١٥٧) أو نصيحة يوجهها لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾ (لقمان: ١٧).
ولهذا جاء توجيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وهو يضرب لها مثلًا للعلاقة بين القائمين على حدود الله والواقعين فيها، فيقول: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوما استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).
كما أنّ هذا الأمر يحتاج إلى تربية إيمانية ونفسية، تجعل كل فرد في الأمة واثقًا من نفسه، يدرك أنه قادر على رد القافلة الشاردة ورأب الصدع في مجتمعه، وأنه إذا