وتبدأ القصة بعد هذه المقدمة، بكلمات تنبئ عن الحقيقة سافرة مضيئة، كالشمس في رابعة النهار، فيقول عز من قائل: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ (الكهف: ١٣) فدل قوله: ﴿نَحْنُ﴾، وقوله: ﴿نَقُصُّ﴾، بنون المعظم لنفسه، على أن الذي يذكر ذلك هو الله العظيم، المتصف بكل صفات الجلال والكمال، فما يخبر به منبثق من باب العليم الخبير، الذي أحاط بكل شيء علمًا، وفي توجيه الخطاب من الله لرسوله في قوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ (يوسف: ٣) إيناس له وعناية به وتطمين لقلبه.
وبخاصة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في مكة لا دولة له ولا سلطان، كان هو وأصحابه يلقون العنت والإيذاء من كفار قريش، وكان -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه ممنوعين من رد هذا الإيذاء ولو بكلمة، فكانوا وإمامهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حاجة إلى هذا التطمين وذلك الإيناس.
أما قوله: ﴿نَبَأَهُمْ﴾، فهو دليل على أن هذا ليس مجرد خبر يقال، إنما هو نبأ عظيم وقصة فيها الكثير من الدروس النافعة، ومما يضيف إلى ما سيذكره ربنا من نبئهم قوله: بالحق، فالحق لُحْمَته وسُدَاه وبدايته ونهايته، كل كلمة يقولها سبحانه صادرة من جناب الحق، لا مجال فيها لتزوير أو تلفيق أو كذب، أو أخبار وأقوال مِن نسج الخيال، كما قال ربنا: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ (الإسراء: ١٠٥) وكما قال: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ (الأنعام: ٥٧).
فما أعظم هذه البداية، التي تجعلك تلقي السمع لما سيقصه الحق -جل وعلا- من نبأ هؤلاء الفتية، وبدأت القصة وما زلنا في شوطها الأول وبدايتها، فتصف هؤلاء بأنهم فتية، وقد سبق في مطلع القصة هذا الوصف في قوله: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾ (الكهف: ١٠) وقد تبين لنا من هذا الوصف أنهم شباب في سن الفتوة والقوة، وهذا يرشدنا إلى أن الشباب أقرب إلى التغيير والتحول،


الصفحة التالية
Icon