وحاشيته بأن قومهم قد أشركوا بالله آلهة لا تستحق العبادة، وأن هذا الذي فعلوه لا يستطيعون أن يأتوا بدليل واحد على صحته، وبالتالي فهم قد ظلموا أنفسهم، وظلموا خالقهم حين عبدوا معه آلهة أخرى لا دليل عليها، ولهذا قالوا: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ (الأنعام: ١٤٤) وكم في هذا التعبير القرآني في القصة من أسرار لا يتسع الوقت لبيانها.
وخرجوا من ساحة الملك وأعوانه للمهلة التي أعطاهم الملك ليراجعوا أنفسهم، فقال بعضهم لبعض: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾ (الكهف: ١٦) فتواصوا فيما بينهم أن يخرجوا من مدينتهم، بكل ما فيها من البهجة والأنس، إلى حيث لا يعرفهم أحد، بأن يأووا إلى الكهف، وكأن هذا الكهف كان معروفًا لهم من قبل، يعرفون موقعه وأنه في مكان لا يصل إليه أحد، فلن يعرف أحد مكانه، وقد أحسوا قبل أن يصلوا إليه ببرد قرارهم هذا، وسرت نسمات السعادة في جوانحهم، وقالوا: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾ (الكهف: ١٦).
فالكهف على وحشته وضيقه، وخلوه من كل أسباب الراحة، تنتشر في جنباته رحمات الله، فيشعرون بها، وكم هناك ممن يسكن في القصور والأبراج العالية، فلا تغنيه عما هو فيه من هموم، فيظل ليله ساهرًا لا تطرف له عين، في سهاد وأرق وتعب، وكأن هذا القصر بغرفه الفسيحة وصالاته الواسعة سجن لا يطيق البقاء فيه، وكم من أناس يعيشون في الأكواخ والبيوت الفقيرة، التي خلت من كل متاع، تراهم ينامون الليل ملء جفونهم، وهم راضون عما قسم الله لهم.
وفي التعبير بالفعل المضارع في "ينشر" و"يهيئ"، دليل على التجدد والحدوث، وأن الله سينشر لهم رحمته في الحال والمآل، وأنه سيهيئ لهم من