ظن لجهله أن هذه الحديقة الأنيقة الرائعة الممتدة على مد البصر، وفيها النهر يجري والمياه العذبة والأشجار الباسقة والثمار اليانعة، قال: ما أظن أن تبيد هذه أبدًا، وما علم أن الأيام دول، وأن الأمر أولًا وآخرًا بيد الله -عز وجل، ثم جاهر بكفره فقال: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ (الكهف: ٣٦) فأنكر قيام الساعة، ثم قال مرة أخرى: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ (الكهف: ٣٦) وكأنه ظن أن من أعطاه الله مالًا في الدنيا ومتاعًا وأولادًا وخدمًا وحشمًا ومكانة عالية، سوف يكون هكذا في الآخرة، وهو ظن خاطئ وفهم رديء، وما هكذا يكون الإنسان الواعي والإنسان المؤمن؛ فإن الإنسان إنما ينال الخير كل الخير بإيمانه بالله رب العالمين، وبما يقتضيه هذا الإيمان من عمل صالح، أما ما يمتلكه الإنسان في هذه الدنيا، فإنما هو عند العاقل وسيلة يتقرب بها إلى الله، ويؤدي فيها حق الله.
استمع صاحبه إلى هذا الإنكار للساعة، وإلى هذا الفهم السيئ للأمور، فقال له وهو يحاوره: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدً﴾ (الكهف: ٣٧، ٣٨) إلى آخر ما ذكر هذا الرجل الصالح، وعلينا أن نتوقف عند هذا الحوار:
أولًا: تلحظون معي أن الله -سبحانه وتعالى- سمى هذا الرجل صاحبًا، ومعنى ذلك أنه ملازم له يريد إصلاحه والأخذ بيده، وهذا شأن الدعاة الناصحين، ألا يتخلوا عن العصاة والمذنبين والمنحرفين، عليهم أن يكونوا معهم وبجانبهم، يأخذون بأيديهم إلى طريق الصواب، ثم في قوله: ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ (الكهف: ٣٤).
وهذه المحاورة أشار إليها القرآن في الآية السابقة في قوله: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ (الكهف: ٣٤) فيبدو أن هذه المحاورة التي كانت بين الرجلين، كانت محاورة القصد منها الوصول إلى الحقيقة، وإن كان الرجل الكافر ما زال معتزًا بماله ونفره وحشمه وخدمه،