وقال محمد بن كعب القرظي: "مجمع البحرين بطنجة". وعن أبي بن كعب قال: "بإفريقية". وهذه أقوال ضعيفة ولا تعبر عن الواقع؛ إذ كيف يسير موسى وفتاه إلى أقصى بلاد المغرب أو إلى إفريقية، والرحلة إلى المغرب أو إلى إفريقية تستغرق زمنًا طويلًا، فأقرب ما قيل هو ما ذكر أولًا، وأن مجمع البحرين في منطقة البحيرات، أو عند خليج العقبة، مما يدل على أن الرحلة كانت في داخل مصر.
واصطحب موسى صديقه وصاحبه يوشع بن نون، وقال له: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ (الكهف: ٦٠) حيث الموعد الذي ذكره الله لموسى أَوْ أَمْضِيَ سائرًا حُقُبًا، أي: زمنًا طويلًا مهما طال هذا الزمن، وفي السفر والرحلات تحسن الصحبة، وبخاصة إذا ما كانت الصحبة من أمثال يوشع بن نون في إخلاصه وحبه لموسى، واستعداده أن يتحمل معه مشقات السفر، وفي قوله موسى ليوشع بأنه لن يشغل نفسه بغير هذا الأمر، وسوف يبذل فيه كل ما عنده من قوى، حتى يتحقق له ما يريد، تصميم على بلوغ الهدف، وهكذا يكون من يريد تحقيق أهداف، وكلما سمت هذه الأهداف كلما سمت مقاصدها، وكلما عظمت المقاصد عظمت الوسائل.
والقصة تترك مساحة للتدبر لاستكمال الصورة، إذ قالت: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ (الكهف: ٦١) وتستطيع أن تقول بأن موسى بعد أن أفضى لفتاه بما علمتَ، بدأ رحلتهما وسارا في جد ونشاط حتى وصلا مجمع البحرين، وهناك نسيا حوتهما، ولم يسبق للحوت ذكر كما ترى، لكن السنة أوضحت ذلك، وبينت أن الله أمر موسى أن يحمل معه حوتًا يضعه في مكتل، وفي رواية: حوتًا مالحًا، أي: مملحًا، ومعنى هذا أن الحوت كان مشويًا؛ لأنه لو كان حيًّا