رحلة الأسرار مع العبد الصالح
وهنا يبدأ الشوط الثاني أو الفصل الثاني من القصة، وقد عنونا له بهذا العنوان: رحلة الأسرار مع العبد الصالح، فانظروا إلى ما وصف الله به هذا العبد، إن القرآن يصف هذا الرجل بأنه عبد من عباد الله، والعبودية لله أشرف صفة يتصف بها إنسان، إنها ليست عبودية التسخير، فكل الكائنات مسخرة له والكل عبيد لله، ولكنها عبودية الطاعة والقرب والإخلاص للواحد الأحد، وأول العابدين هو محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد وصف الله أنبياءه وأولياءه وأحبابه بهذا الوصف الكريم، ووصف رسوله محمدًا بذلك في أجل المقامات وأعلاها، وصفه بذلك في إسرائه، وفي إنزال الوحي عليه، وفي تبليغه لرسالة ربه، والآيات في ذلك واضحة ظاهرة.
كما بين الله أنه آتى هذا العبد رحمة من عنده، أي: رحمة عظيمة كان بها صاحب هذه المكانة، وهذا الفضل من الله، وهذه الرحمة كما تعلمون وهبها الله لأصفيائه من الأنبياء والمرسلين وغيرهم، ومما تذكرونه في ذلك ما قال في زكريا: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ (مريم: ٢) وما قال في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ (مريم: ٥٠) وفي موسى يقول: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ (مريم: ٥٣) إلى غير ذلك من الآيات.
وأمر آخر منحه الله لهذا العبد الصالح، هو هذا العلم الإلهي اللدني، إذ قال: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ (الكهف: ٦٥) ولذلك ورد في الحديث ما ذكره أئمة الحديث: "أن موسى -عليه السلام- حين أتى هو وفتاه يوشع إلى الصخرة، رأى رجلًا مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام. قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من