حسدهم من محبة أبيهم ليوسف وأخيه، وبقيت هذه الرؤيا تفسّرها الأحداث عبر رحلة يوسف، إلى أن جاء ختام الأحداث باجتماع يوسف مع أبويه وإخوته في أرض مصر ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ (يوسف: ١٠٠) فكان ذلك من روعة سياق القصة في القرآن، وقد ذكرت السورة رؤيا لكلٍّ من صاحبيْ يوسف في السجن، وقد فسرها لكلٍّ منهما، كما ذكرت رؤيا الملك والتي لم يستطع المؤولون من المقربين للملك أن يفسروها له، ففسرها يوسف، وكان ذلك سببًا في خروجه من السجن، ومحبة الملك له، وتوليه أمور البلاد الاقتصادية.
لكن بناء القصة إنما قام على رؤيا يوسف التي قصّها على أبيه، وكان منها بداية الخيط التي ارتبطت به، ما كان من أمر يوسف في كلّ مراحل حياته، وكل مرحلة تحقِّق جانبًا من هذه الرؤيا، وقبل أن ينتقل القرآن إلى مرحلة الحديث عن إخوة يوسف، يشوقنا إلى ذلك بما يذكره من نصيحة يعقوب لابنه، ألّا يقص رؤياه على إخوته، وأن الشيطان قد يسول لهم أمرًا ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (يوسف: ٥) وبما يفضي به يعقوب ليوسف من أنه يتوقّع له مستقبلًا عظيمًا؛ إذ يرى أن الله سوف يختاره نبيًّا ويعلمه من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويه من قبل إبراهيم وإسحاق، إن ربك حكيم عليم.
فكانت هذه بشرى ليوسف بالنبوة والعلم والحكمة وإتمام النعمة، ولكنّه يخشى عليه من إخوته، وحين ذكر ذلك يعقوب تشوّفت النفس لمعرفة ما كان من أمر هؤلاء الإخوة، ويبدأ الحديث عنهم بقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾ (يوسف: ٧) وفي هذا الابتداء -كما ترون- تشويق لمعرفة ما حدث، وأنّ ما حدث في كل مرحلة من مراحله آية وعلامة بارزة على قدرة الله، وأنه غالب على أمره، لمن يسألون عن هذه القصة، ويودون أن يعتبروا بما فيها.