﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ (يوسف: ١٣) فكأنّه حين قال لهم ذلك دلّهم على عذر يعتذرون به إليه حين يعودون وقد نفذوا ما اتفقوا عليه، وقد أكدوا لأبيهم أنهم سيكونون قائمين على حفظه، وطمأنوه بحسن رعايتهم لأخيهم ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ (يوسف: ١٤).
وأخذوا يوسف من أبيه، وذهبوا به إلى البئر، وهناك ربطوه بحبل ودلوه فيه، فكان إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشتمه، وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة، فسقط في الماء فغمره، فصعد إلى صخرة كانت في وسط البئر فقام فوقها، فأيّ أناس هؤلاء! وأي جريمة تلك التي ارتكبها هؤلاء الإخوة! وأي قلوب هذه القلوب في غلظتها وقسوتها! ولكنّ الذي يتولى الصالحين ألقى في قلب يوسف برد الأمان، وأعلمه أنه سينجو من هذه المحنة، وسوف يكون له شأن، وسوف يأتون إليه فيخبرهم بما فعلوه به، ولكن هؤلاء الإخوة الغلاظ الأكباد لا يخطر ببالهم ذلك، قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (يوسف: ١٥).
وقد تحقق وعد الله له حين جاءوا إليه يطلبون إكرامه لهم، بعد أن جاءوا إليه يطلبون الميرة المرة تلو المرة، فقال لهم: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ (يوسف: ٨٩ - ٩١) لقد تركوا يوسف في الجب وحيدًا وانصرفوا، والجب يختلف عن البئر؛ لأن الجب تراه يضيق من أعلاه ويتسع من أسفله، أما البئر فهو على ميزان واحد


الصفحة التالية
Icon