وعن ابن عباس أن الذين أسروه بضاعة هم إخوة يوسف، أسروا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، واختار البيع، فذكره إخوته لوارد القوم، فنادَى أصحابه: يا بشرى هذا غلام يباع، فباعه إخوته بثمن بخس دراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين، ولو أراده أصحاب القافلة بلا ثمن لأعطوهم إياه.
وسار القوم إلى مصر، وأوقفوه في سوق العبيد، فباعوه في مصر، وكان الذي اشتراه عزيز مصر، أي: وزيرها، ويبدو أنه لم يرزق بولد، لذلك قال لامرأته: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾، وبهذا يبدو تدبير الله ليوسف؛ إذ بوجوده في بيت عزيز مصر سيحظى بالرعاية والأمن والاطلاع على أحوال البلاد، وقد أخبر الله بأمرين: أنّ الله بقدرته مكّن ليوسف في الأرض، أي أرض مصر، وثانيهما: أنّ الله علمه من تأويل الأحاديث، أي الرؤى، وذكر سبحانه أنه غالب على أمره، وإذا أراد أمرًا هيأ له الأسباب، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقد حقّق الله وعده، فما إن بلغ يوسف مبلغ الرجال حتى آتاه الله حكمًا وعلمًا، فاختاره نبيًّا، وكذلك نجزي المحسنين.
يوسف مع امرأة العزيز
وتجري أحداث قصة يوسف مع امرأة العزيز بعد هذه المشاهد والمقدمات، فتذكر ما تذكر بعيدًا عن إسفاف كتاب القصة، وما يسمونه بالأدب المكشوف، فتصل إلى تحقيق أهدافها دون أن تصرح بكلمة تثير شهوة أو تحركها، إنما تدعوها إلى العفة والطهر في ضبط يوسف لمشاعره وغرائزه بمعيار تقوى الله، وفي كبح جماح امرأة العزيز بالاستغفار والتوبة والرجوع عمّا همّت به وأرادته وحاولت، فترى كلمات القرآن نورًا يضيء الطريق.