من دبر، ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ﴾ أي: العزيز ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ أي لا تتكلم به، ولا تذكره لأحد، واتجه إلى امرأته يلومها قائلًا ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ (يوسف: ٢٩).
ويسدل الستار على هذا المشهد ليبدأ مشهد آخر، هؤلاء نسوة في بيوت كبار الدولة يجلسن يتحدثن ويقلن: ﴿امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (يوسف: ٣٠) وانتشر الحديث في المدينة ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (يوسف: ٣١ - ٣٤).
ومع ظهور براءته وعفته بدا لهم لمصلحة راجحة عندهم، هي إخفاء معالم هذه الجريمة وقطع الألسنة التي تتحدث بها، أن يودعوا يوسف في السجن لفترة من الزمان، ولكن الأيام مرّت والسنوات توالت، ورأى الملك رؤيا لم يستطع المؤولون للرؤى أن يفسروها، إلى أن تذكر واحد ممن كان في السجن مع يوسف وخرج، أنّ بالسجن يوسف، وأنه كان يفسر لهم ما يرونه في منامهم، فجاء إليه وذكر له هذه الرؤيا ففسرها، وطلبه الملك، فكانت فرصة لإظهار براءته، ورفض -عليه السلام- أن يخرج من السجن حتى يأتي الملك بالنسوة اللاتي قطعن أيديهن ويسألوهنّ عما كان من أمرهن، فجاء بهم الملك ومعهنّ امرأة العزيز وسألهن ﴿مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ (يوسف: ٥١).