أو ﴿الم﴾ أو ﴿المر﴾، وما إلى ذلك، وقد وردت في بيانها أقوال كثيرة منسوبة لبعض الصحابة ولكثير من المفسرين، وأقرب ما قيل فيها -كما سبق أن ذكرت- أنها حروف ساقها الله على سبيل التحدي؛ كأنه يقول لمن نزل القرآن بلغتهم: هذه هي الحروف التي تؤلّفون منها كلامكم، فاصنعوا منها كلمات وضموها لبعضها، وعارضوا بها هذا القرآن، وانظروا إلى كلامكم وما جاء به وحي الله؛ لتعلموا أن هذا أفق عالٍ لا سبيل إلى الوصول إليه، ﴿فَإِنْ ل َمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: ٢٤)، فثبت عجزهم وانقلبوا صاغرين، وكم في هذا من نصر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو نصر يتجدد كلما نزلت آيات من كتاب الله، وكم في ذلك من تطمين وتثبيت.
ثم يقسم الله بالقلم وما يسطرون، على أنّ اتهام المشركين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنون اتهام باطل، وأنّ الله أعدَّ له أجرًا عظيمًا على قيامه بحقِّ الله عليه، وأنه -صلى الله عليه وسلم- متمكِّن من ذُرا الأخلاق العظيمة، وفي هذا القسم بالقلم وما يسطرون بالقلم، وفي بداية السورة بحرف من حروف الهجاء "ن"، ما يدل على تعظيم الإسلام للقراءة والكتابة، فهي مفتاح التقدم، وباب الحضارة، وأساس التمدن، وهذه أول الآيات نزولًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأمره بالقراءة باسم ربه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: ١ - ٥).
فمع أول شعاع الوحي ترى الدعوة إلى العلم؛ ليكون نبراسًا يهتدي به الإنسان في دنياه وأخراه، وليكون أمضى الأسلحة في المعركة مع الكفر والكافرين، وأمةٌ بلا علم أمة ينخر الجهل في عظامها، ومصيرها إلى الفناء، والعلم الذي تسطِّره الأقلام ليس قاصرًا على علوم الدين وحدها، إنما يشمل علوم الدين والدنيا،