الآيات قد دلّت على أنهم كانوا يؤمنون بالله، مما يرجِّح أنهم كانوا من أهل الكتاب، فقد ذكرت في نهاية القصة قولهم: ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ (القلم: ٣٢) فيفهم من ذلك أنهم أقسموا بالله، وانظر إلى ما أقسموا عليه، إنه يجمع بين أمرين: الفعل والزمن، أما الفعل فهو في قوله: ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا﴾ (القلم: ١٧). وأما الزمن فهو في قوله: ﴿مُصْبِحِينَ﴾ (القلم: ٢١) وصرم الشيء قطعه، وهذا ليس مجرد قطع لشيء من شيء، إنما قطع لا يبقى شيئًا.
يقول الراغب: "الصارم الماضي، وناقة مصرومة كأنها قطع ثديها، فلا يخرج لبنها حتى يقوى، وتصرمت السنة وانصرم الشيء انقطع، وأصرم ساءت حاله"، أما الزمن ففي قوله: ﴿مُصْبِحِينَ﴾ أي داخلين في وقت الصباح الباكر، وأضاف إلى ما عزموا عليه وأقسموا عليه قوله ﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾ (القلم: ١٨)، وهذا معناه: أنهم لم يقولوا: إن شاء الله، أو أنهم لم يستثنوا أحدًا من الفقراء يجدون أنه مسكين يستحق الصدقة، إنما أصروا على منع كل فقير ومسكين، وكلا المعنيين جائز.
فكم من أناس يدبرون أمرهم ويحكمون خطتهم لفعل شيء ما، ويوقنون أنهم لا بُدَّ واصلون لتحقيق غايتهم، وما علموا أن مدبِّر الأمر هو الله، فإليه يرجع الأمر كله، ومع اتخاذ الأسباب يفوّض العبد الأمر لله فيقول: إن شاء الله، وقد قال الله لرسوله -كما رأينا في قصة أصحاب الكهف-: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ * وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ (الكهف: ٢٣، ٢٤) وهذا بعض ما يفهم من قول الله تعالى في ختام سورة هود: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (هود: ١٢٣).