وختامًا لهذه القصة يقول ربنا: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (القلم: ٣٣) وفي ذلك العبرة والعظة، فهكذا يكون عذاب الله لمن عصاه، ولمن منع حق الفقراء والمساكين، ويبقى له في الآخرة العذاب الأكبر لو كانوا يعلمون.
يقول الإمام الفخر الرازي: "واعلم أنّ مقصود هذه القصة أمران:
أحدهما: أنه تعالى قال: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ (القلم: ١٤، ١٥) والمعنى لأجل أن أعطيناه المال والبنين كفر بالله، كلا، بل إن الله أعطاه ذلك للابتلاء، فإذا صرفه إلى الكفر دمّر الله عليه، بدليل أصحاب الجنة؛ لمّا أتوا بهذا القدر اليسير من المعصية دمّر الله على جنتهم، فكيف يكون الحال في حقِّ من عاند الرسول، وأصر على الكفر والمعصية.
والثاني: أنّ أصحاب الجنة خرجوا لينتفعوا بالجنة ويمنعوا الفقراء عنها، فقلب الله عليهم القضية، فكذا أهل مكة؛ لمّا خرجوا إلى بدر حلفوا على أن يقتلوا محمدًا وأصحابه، وإذا رجعوا إلى مكة طافوا بالكعبة وشربوا الخمور، فأخلف الله ظنّهم، فقتلوا وأسروا كأهل الجنة".
إذا ما قرأنا في كتاب الله هذه القصة؛ قصة أصحاب الجنة، لا بُدّ أن نقول للآخرين: اعتبروا أيها الناس بما آل إليه حال أصحاب الجنة، ولا تحرموا الفقراء والمساكين، فلهم في أموالكم حق معلوم، كما يجب أن ننبِّه إلى قيمة العلم والعلماء في بناء الأمم، وأنّ هذا الدين قد بدأ رحلته لبناء الأمة المتعلمة، التي تزخر بالعلم والعلماء من أول لحظة نزل فيها القرآن، كما رأينا في مطلع سورة "العلق" في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ (العلق: ١، ٢) وكما رأينا في هذه السورة المباركة؛ حيث أقسم الله في مطلعها بالقلم وما يسطرون.
نعود لنبني أمتنا على العلم النافع المرتبط بالإيمان الصحيح، وبالأخلاق الكريمة، التي تسلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذراها، وسعد بشهادة الحق في قوله -عز من قائل-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: ٤).