ومن قبل ابن منظوم وصاحب (القاموس) يجمع ابن فارس في معجم (مقاييس اللغة) معاني هذه الكلمات، فيقول في الصفح ما خلاصته: الصاد والفاء والحاء أصل صحيح مضطرد يدل على عَرْض وعِرَض، ويسوق في ذلك بعض ما ورد في اللغة ثم يقول: ومن الباب المصافحة باليد، كأنه ألصق يده بصفحة يد ذاك، ويقول: فأما قولهم صفح عنه، وذلك إعراضه عن ذنبه فهو من الباب؛ لأنه إذا أعرض عنه فكأنه قد ولَّاه صفحته، ويقول في بيان المعنى العفو: العين والفاء والحرف المعتل أصلان يدل أحدهما على ترك الشيء، والآخر على طلبه، ثم يرجع إليه فروع كثيرة لا تتفاوت في المعنى.
فالأول: العفو عفو الله تعالى عن خلقه، وذلك تركه إياهم فلا يعاقبهم، فضلًا منه، قال الخليل: وكل من استحق عقوبة فتركته فقد عفوت عنه، والأصل الآخر الذي معناه الطلب قول الخليل: إن العفاة طلاب المعروف.
وأخيرًا يأتي حديث صاحب (معجمي المفردات) في بيان معاني هذه الكلمات فيقول: صفح الشيء عرضه وجانبه كصفحة الوجه وصفحة السيف، وصفحة الحجر والصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو، ولذلك قال: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح، قال: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ﴾، ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾، ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾، وصفحت عنه: أوليته مني صفحة جميلة معرضًا عن ذنبه، أو لقيته صفحته متجافيًا عنه، أو تجاوزت الصفحة التي أثبتُّ فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك: تصفَّحت الكتاب إلى آخر ما قال.
ومما قال في معنى العفو: العفو القصد لتناول الشيء، وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفًا عنه، وقوله في الدعاء ((أسألك العفو والعافية)) أي: أسأل ترك العقوبة والسلامة، هذا أيها الأبناء هو بعض ما ورد في كُتب اللغة.