وقريب من هذا ما في قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ (العنكبوت: ٤١) فهذا مثل لقلة جدوى عبادة الأصنام، ولعدم نفعها، ولشدة ضعفها، ولو قيل بأنّ اتخاذ هذه الأصنام لتعبد من دون الله لا تفيد من عبدوها شيئًا، لما كان له من الأثر في نفوس السامعين ما تراه في هذا التشبيه وهذا المثل، فقد شبّه ما أقامه المشركون حول أصنامهم من معتقدات جعلتهم يتقربون لها بألوان القربات، ويستشفعون بها عند الله، ويقدمون لها القرابين، بما تصنعه العنكبوت لنفسها من بناء بيت لا يثبت أمام لمسة لامس، أو هبة ريح، ولذلك قال تعالى: ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت: ٤١) فزاد المشركين تجهيلًا على تجهيل، وجاء هذا المثل بهذا البيان الشافي الكافي.
وفي بيان أثر الشرك في المشركين، يضرب الله هذا المثل فيقول: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (الحج: ٣١) فتأمّل معي روعة هذا المثل، وهذه اللوحة الرائعة التي رسمتها كلماته، وأنت تتصور رجلًا كان قد ارتفع إلى أجواز الفضاء، فخانته قواه، فسقط من هذا الارتفاع الشاهق، فتلقفته طيور السماء الجارحة، فتوزّعته إربًا، أو واجهته وهو يهوي إلى الأرض ريح عاصفة، فهوت به وألقته في مكان بعيد بعيد، ولو عُدت للمثل لترى هذه الصورة المنتزعة للمثَّل والممثَّل به لتشكل هذه اللوحة، فستجد أن السماء التي ارتفع إليها هي سماء الإيمان، في سموه ورفعته، وأن الشرك بالله هو الوهن والداء الذي أضعف قوى هذا الرجل، فخارت قواه، فلم يلبث أن سقط من سمائه، والتعبير بقوله: ﴿خَرَّ﴾ يدلك على سرعة وقوة سقوط هذا المشرك، والطير الذي تخطفه هي الشياطين التي توزعته ومزقته، فلم