لا تدري عن عابديها شيئًا، إنها أحجار صماء، صنعها هؤلاء الجاهلون بأيديهم، ثم نصبوها وعبدوها.
وهذا مثل آخر لِمَا عليه الكفار من عمى وجهل، يذكره الله تعالى بعدما ذكر حال المشركين في رفضهم لدعوة الحق، لا لشيء إلّا اتباع ما كان عليه آباؤهم، يقول ربنا: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ (البقرة: ١٧٠) وكما قال في آبائهم بأنهم لا يعقلون شيئًا، أيّ شيء نافع، ولا يهتدون لطرق السداد والرشاد، قال فيهم: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: ١٧١).
والمثل ينقلك إلى صورة واقعية في مجتمع تقوم فيه الحياة على الرعي، فترى أن القطيع من الأنعام إبلًا أو بقرًا أو غنمًا، يسوقه راعيه بعصاه، ومن في القطيع من هذه الأنعام لا يفهم لغة، إنما يسمع صوتًا يناديه بالسير أو التوقف أو الورود لموضع المياه أو الكلأ، ولكن هذه الأنعام لا تفهم ولا تعقل، والقرآن يأخذ هذه الصورة التي يشاهدها العربي في بيئته، ويراها الناس في كل زمان ومكان، ليشبه بها هؤلاء المشركين في انقيادهم لقادة الكفر والضلال، وأنّ هؤلاء المشركين ينصرفون بتوجيهات هؤلاء القادة دون عقل أو تدبر، انصراف الأنعام السائمة في حركاتها دون فهم أو وعي.
وقد روي عن ابن عباس أن قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ (البقرة: ١٧٠) الآية. "نزلت في طائفة من اليهود، دعاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام فقالوا: ﴿بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ (البقرة: ١٧٠) ثم ضرب لهم مثلًا لما هم فيه من الغي والضلال والجهل، بالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا نَعَق