ثم يذكر الفخر في تقرير هذا التمثيل: "أنّ كل شيء يلهث، فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب اللاهث، فإنما يلهث في حال الإعياء، وفي حال الراحة، وفي حال العطش وفي حال الري، فكان ذلك عادة منه وطبيعة، وهو مواظب على ذلك كعادته الأصلية، وطبيعته الخسيسة، لا لأجل حاجة وضرورة، فكذلك من آتاه الله العلم والدين، أغناه عن التعرض لأوساخ الناس، ثم إنه يميل إلى طلب الدنيا ويلقي نفسه فيها، كانت حالته كحال ذلك اللاهث؛ حيث واظب على العمل الخسيس والفعل القبيح، لمجرد نفسه الخبيثة، وطبيعته الخسيسة، لا لأجل الحاجة والضرورة.
والأمثال التي ضربها الله للكافرين والمشركين والمنافقين في القرآن كثيرة، ويقابلها الأمثال التي ذكرها الله للمؤمنين والعابدين والطائعين، وهذه الأمثال -كما ذكرنا- أُلِّفت فيها المؤلفات، وتحتاج إلى محاضرات ومحاضرات.
أمثلة ضربها الله في القرآن للدنيا
ولذلك أكتفي بما ذكرت لأنتقل إلى لون آخر من أمثال القرآن، ولنتخير منها ما جاء من تصوير وتمثيل للدنيا ومتاعها وزينتها وبهجتها وسرعة انقضائها وزوالها، وما يجب أن يكون عليه العقلاء من الناس في عدم الركون إليها، والاغترار بزخارفها، مما سنراه في هذه الصور التي رسمها القرآن لها.
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (يونس: ٢٤).