إلى الجهرية، إلى دعوة أهل مكة، إلى الوافدين إلى مكة، إلى أن هاجر وحارب وانتصر، وأخذ يراسل الأمراء والملوك، فظن أنه مرسل إلى الناس كافة، وادّعى أنه آخر رسول أرسل إلى الناس، ولكن الله قال له منذ فجر الرسالة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: ١٠٧) وقال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ (الأعراف: ١٥٨) وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: ٢٨) وهذه كلها آيات مكية.
وقال له في "الأحزاب": ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (الأحزاب: ٤٠). وسورة "الأحزاب" سورة مدنية، جاءت هذه الآية فيها تقرّر هذه الحقيقة، حقيقة أن محمدًا خاتم النبيين، فجمعت رسالته ما جاء به المرسلون الذين سبقوه، وزادت عليها تأصيلًا للقواعد التي تصلِح كل زمان ومكان.
وجميع الأنبياء جاءوا يدعون إلى توحيد الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، كما اتفقوا في الدعوة إلى مكارم الأخلاق، من الصدق والوفاء وحب الخير والعمل الصالح، وما إلى ذلك من الأخلاق الكريمة، وفي جانب التشريعات أتى كل نبي بما يتناسب مع حال قومه، وفي جانب العبادات اتفقوا في أصولها من الصلاة والصيام والزكاة، وإنِ اختلفت كيفياتها، مما يؤدي إلى أدائها في يسر حسب قدرات كل أمة، وبالإيمان الصادق بالله، وما يقوم على هذا الإيمان من بناء أخلاقي وعبادات تربط العبد بربه، ومن معاملات قائمة على هدي الله، يحيا الإنسان في طريق مرسوم مضيء بنور الوحي، يعرف المؤمن علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بمجتمعه، وفق منهج لا يضل ولا تخالطه الأهواء؛ لأنه منهج الإله الذي خلق الخلق، وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.