فكيف تنكره العقول، ومن هذه الآيات الكثيرة ما تقرؤه في سورة "الأنعام"، من قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (الأنعام: ٩٥ - ٩٧)، إلى أن يقول: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الأنعام: ١٠٢، ١٠٣).
وإذا كان الإلحاد قد انحصر في أفراد قلائل في البيئة العربية التي نزل فيها القرآن، فإن الشرك بالله كان عقيد سائدة في العرب وفي غير العرب، على اختلاف المعبودات التي كانت تعبد في أنحاء الأرض، وقد سلك الرسل كل الطرق لنزع هذه الجرثومة من الفطرة الإنسانية، ولردِّ الناس إلى طريق الرشاد، وخلاصة هذا المنهج الذي سلكوه: الانتقال من توحيد الربوبية إلى توحيد الألوهية وتوحيد الإله في أسمائه وصفاته، وفي بيان ما عليه معبوداتهم من الضعف والعجز، مما لا يمكن إنكاره، وقد أتى كل رسول يأمر قومه بعبادة الله وحده، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: ٢٥).
وأنت تقرأ في "الأعراف" كلمة يذكرها نوح وهود وصالح وشعيب، هي قول كل منهم: ﴿يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (المؤمنون: ٢٣) وهي كلمة قالها كل نبي لقومه، وجاء بها محمد -صلى الله عليه وسلم- وذكر الله له فيما أوحاه إليه أدلة إثباتها، بعد أن ذكَّر بأن محمدًا في هذا يكمل مسيرة المرسَلين من قبله، في دعوة الإنسانية إلى عبادة الله الواحد الأحد.