وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا * فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: ٢٣ - ٢٦).
وهذا داود -عليه السلام- يعمل حدادًا، ونوح من قبله كان نجّارًا ماهرًا، يصنع الفلك التي ركبها هو ومن آمن معه، وحمل فيها من كل زوجين اثنين، ولما كان الطوفان كانت تجري بهم في موج كالجبال، وهناك من الأنبياء كنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مَن كان يعمل في رعي الغنم، وهي أعمال -كما ترون- تحتاج إلى بنية قوية وجسد سليم، وما حدث لأيوب -عليه السلام- من بلاء، إنما كان لفترة ثم عادت إليه صحته وماله وولده، كما قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ (الأنبياء: ٨٣، ٨٤).
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بهي الطلعة جميل المنظر، يقول الإمام الغزالي: "كان -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وجهًا وأنورهم، لم يصفه واصف إلّا شبهه بالقمر ليلة البدر، وكان يُرى رضاه وغضبه في وجهه لصفاء بشرته، وكان يقولون هو كما وصفه صاحبه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه؛ حيث يقول:

أمين مصطفى للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام
وثاني هذه الصفات في الداعية: طلاقة اللسان ورجاحة العقل وسعة الأفق، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ (إبراهيم: ٤)، ولما اختار الله موسى رسولًا وقال له: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ


الصفحة التالية
Icon