وقد كانت الدراسة الأزهرية قبل التطوير قائمة على هذا المنهج، وكانت دراسة تمتد لأربع سنوات في المرحلة الإعدادية، وخمس سنوات في المرحلة الثانوية، ولا يلتحق الطالب بالمرحلة الإعدادية إلّا إذا كان حافظًا للقرآن حفظًا جيدًا، وكانت العناية خلال هذه السنوات متجهة إلى إكساب الطلاب مهارة خاصّة في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، بالإضافة إلى الإلمام بالرياضيات والكيمياء والفيزياء، فنبغ من هؤلاء الطلاب، وهم ما زالوا في مراحل التعليم الإعدادي والثانوي ممن لا نجهل أسماؤهم من شيوخنا وزملائنا.
وللقرآن عناية خاصة بهذا الجانب؛ حيث نجد الكثير من آياته تعلي من قدر العلم والعلماء، وهذه أول الآيات نزولًا تقول: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: ١ - ٥) والقرآن يقسم بالقلم وما يسطره، وتسمى السورة بسورة "القلم" فيقول ربنا: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (القلم: ١) وقد ذكرت كلمة أو قل: مادة العلم في القرآن مئات المرات، مما يحتاج إلى إفرادها ببحث في التفسير الموضوعي وليكن عنوانه: العلم في القرآن الكريم.
ولكننا هنا نبحث عن صفات الداعية في القرآن الكريم، والعلم هو الركيزة التي يقوم عليها بناء الدعوة، وهو السلاح الذي يخوض به الدعاة معركة الأفكار والمعتقدات والملل والنحل والمذاهب، ليثبتوا عظمة ما يدعون إليه، فتصل كلماتهم إلى القلوب، فتضيء للناس الطريق، وإذا كان الله قد قال: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: ٢٥٦) وقال: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: ٢٩)، فإن الله يعلم أن الدين لا يأتي بالإكراه، والمكره على اعتقاد شيء قد يتظاهر بالإيمان به، لكنه من داخله غير