للعالمين، وأن هذه الرسالة قائمة على وحي الله، وفيه كذا وكذا، إنما سألهم قائلًا: ((أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بهذا الوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟)) قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا قط، حينذاك قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)).
فأثبت أولًا وقرر أنه صادق، فكيف يكذب الآن؟ وهذا هو الذي استدل به هرقل عظيم الروم على أن محمدًا هو رسول الله، حين جاءه كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوه إلى الإسلام، طلب بعض من في الشام من العرب، فكان أبو سفيان قبل إسلامه مع بعض العرب هناك في تجارة، فجيء بهم ووقفوا بين يديه، وأبو سفيان واقف أمامهم، وأخذ هرقل يسأله، فكان فيما سأله: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال أبو سفيان: لا. وبعد أن انتهى من أسئلته قال فيما قال: أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وهذا هو الذي جعل رسولٍ يدعو أمته يذكر لها أنه رسول أمين، اقرءوا ما ذكره الله في "الشعراء" على لسان نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وكلٌّ منهم يقول لقومه: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الشعراء: ١٠٦ - ١١٠).
وموسى قبل أن يختاره الله رسولًا، حين سقى لابنتي شعيب رأوا أمانته ورجولته، ولذلك قالت إحدى الابنتين لأبيها: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ (القصص: ٢٦) وبعد الرسالة يذكر الله ما قال لفرعون وقومه فيقول: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ (الدخان: ١٧ - ١٩).