أصحابه، وأنس بن مالك خادمه كان معه يشاهد هذا الموقف ويرى أن هذه الجذبة قد أثَّرت في صفحة عاتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان بإمكان هذا الأعرابي أن يطلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون أن يصنع هذا، ولكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مع ذلك التفت إليه فضحك، مما يدل سعة صدره، وحلمه، وحسن خلقه، وعظم صفحه وعفوه عما أساء إليه، ولم يكتفِ بهذا إنما أمر له بعطاء، فأعطاه ما أعطاه حتى رضي.
أيضًا يروي الإمام البخاري بسنده عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه-: ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان راكبًا على حمارٍ على قطيفة فدكيه، وأنه أردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن خزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عَبَدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة -أي: الغبار الذي يكون من أثر سير دابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- خمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه -أي: غطاه- ثم قال: لا تغبّروا علينا، فسلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم ثم وقف، فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا فلا تؤذنا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نُحبّ ذلك، فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون -أي: يمسك بعضهم برقاب بعض- فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخفّضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي -صلى الله عليه وسلم- دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ -يريد عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا- قال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعفُ واصفح عنه، فو الذي أنزل عليك الكتاب


الصفحة التالية
Icon