وجاءت الإشارة إليه في قصة إبراهيم في سورة "الأنعام"، في قول الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ (الأنعام: ٨٣، ٨٤) فأشار إلى نوح، وأنّ الله هداه إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وعلى طريقه كان إبراهيم وبنوه وذريته، فما أعظمها من شهادة لهؤلاء، وأول حديث عن دعوة نوح نقرؤه في سورة "الأعراف"، وفي ست آيات يلخّص الله ما كان من أمر نوح، وما آل إليه حال قومه.
وتأتي قصته في السورة أوّل قصة لتتوالى بعدها قصص هود وصالح ولوط وشعيب وموسى -عليهم السلام- على اعتبار أنه أوّل الرسل، وقبل هؤلاء جميعًا، ولكنك تلحظ أنّ الحديث عن القصة يأتي مفصولًا عن الآيات السابقة فصلًا بيانيًّا، فيقول ربنا: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ (الأعراف: ٥٩)، أما بعد ذلك فترى واو العطف ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا﴾ (الأعراف: ٦٥)، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ (الأعراف: ٧٣)، ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ (الأعراف: ٨٠) ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ (الأعراف: ٨٥)، ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى﴾ (الأعراف: ١٠٣)، وكأنه بعد أن ذكر قصة آدم في أول السورة، ونادى أبناء آدم أربع مرات، وبَيّن أحوال أهل الجنة وأهل النار، وذكر قدرته في إرسال الرياح بشرًا بين يدي رحمته، وأن الأرض وهي تستقبل ماء المطر قد تكون أرضًا طيبة يخرج نباتها طيبًا زاكيًا بإذن ربها، وقد تكون أرض سبخة لا يخرج نباتها إلّا ضعيفًا هزيلًا، وهكذا البشر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيثًا أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان، لا تمسك ماء


الصفحة التالية
Icon